news-details

"وْلي ديبِة صايرة تفهمي بالسياسة؟" – من التهكّم للتحدّي..

 

بالتزامن مع يوم المرأة العالمي:
"وْلي ديبِة صايرة تفهمي بالسياسة؟" – من التهكّم للتحدّي..

كثير منا يتغنّى اليوم بكونه نسويّا وبكونها نسويّة. على الرغم من أن هناك خشية ما زالت تحيط بهذا التعريف، أصادف نساء يقلنَ: "لا أنا مش نسوية" رغم أنهن يطبّقن، دون حاجة للجوء للمصطلحات الرنانة، توجهًا نسويا يستحق كلّ التقدير. بينما بالمقابل، تحديدًا في الأوساط الناشطة سياسيًّا واجتماعيًّا يتردّد هذا التعريف بشكل يعطي انطباع أن التعريف يأتي ليمنح مَن يحمله مرتبةً اجتماعية مرموقة. ويأتي هذا التعريف غالبًا بعد نقاش عصيب، يتفوّه به الشخص بمواقف إقصائية واستعلائية تجاه مواقف معيّنة أو مواقف عدائية تجاه نساء معيّنات، يتخّذ بعدها الشخص انتحاله التعريف النسوي كاستراتيجية تبريريّة لهذه المواقف و"لتبييض صفحته".

هنالك نوع آخر، ممّن يتبنّون التعريف النسوي دون الالتفات إلى كونهم صهاينة وجزءا من منظومة قامعة على رأسها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، عن طريق الانخراط بها، بل والعمل أيضًا على تحسينها وجعلها رافعة "لتحسين مكانة المرأة". هذه نقطة، لشدّة مفارقتها، وجب تخصيص مقال آخر لها. ما علينا الخوض والتعمّق به هو: كيف يمكننا نحن تبنّي النهج النسوي في مسيرتنا التحررية على المستوى اليوميّ، والرؤية العامة. ولماذا هذا الخوف من التعريف وممّا تنبع البلبلة؟

يصوّر البعض التوجه النسوي على أنه توجّه "كاره للرجال"، "متطرّف" و "غير واقعي". والبعض الآخر يتعامل معه كتصوّر وموقف "حيادي"، موقع اجتماعي فحسب، لا علاقة له بالسياسة ولا يمكن "تلويثه" بالتعقيدات السياسية. إلّا أن العكس هو الصحيح، فلا يمكن تبنّي الموقف النسوي دون الخوض بكل علاقات القوى التي ننشط بها. الأمر يتطلّب النظر إلى تجارب النساء، من مختلف مواقعهنّ وموقعيّاتهن، مثل سائر المجموعات المهمّشة، كتجارب موثوقة لفهم الواقع القمعيّ الذي تكون نتائجه إقصائية. في الحقل السياسي، على سبيل المثال، يأتي ذلك تارة على شكلً عدم تمثيل كافٍ في مواقع اتخاذ القرار، وتارةً عبر نسْب قيمة أقل لآراء النساء ومشاركتهنّ في الساحة السياسية. هذا بالإضافة إلى إتاحة الإمكانية لمشاركة نساء من طبقات اجتماعية معيّنة، أو من مناطق جغرافية معيّنة، في النشاطات السياسية والحزبية. كما أن عامل الأمومة، الحالة الاجتماعية، الجنسانية، العمر، القدرات الجسدية والعقلية والتعليم الأكاديمي كلّها ممكن أن تشكّل عوامل إقصائية لمشاركة النساء في النشاطات السياسية. إذ أن إنتاج المعرفة السياسية لا يمكن أن يكون حصّة من يتمتّعون بالامتيازات الاجتماعية-الطبقية دون غيرهم من شرائح المجتمع.

النهج النسوي ليس هامشا تختصّ به النساء دون غيرهنّ، وبالذات بالنسبة لحركة سياسية يسارية تطرح بديلا سياسيا نقديا، النهج النسوي هو لبّ هذا النضال. النظارات النسوية، بتوجهّها التقاطعيّ المتفحّص للامتيازات، وهرمية القوى، التي يحملها وتحملها كلّ منا وفق موقعيّته، القومية، الطبقية، الإثنية، الاستعمارية وعلى رأسها الجندرية هي مشروع سياسي علينا تبنيه كنهج يوميّ لمناهضة كافة أشكال القمع، العنصرية منها، الطبقية، الإقصاء، الأبوية، والتمييز على أساس الجنس وغيرها.

النسوية عليها أن تكون نهجا وليس نيشانَ حسن سلوك نلوّح به متى احتجنا لذلك. الوضع القائم يحتّم علينا أن نعيد بلورة توجّهنا النسوي، في داخل الأحزاب وخارجها، في مؤسساتنا التمثيلية وتنظيماتنا، داخل علاقتنا في العمل وفي العائلة، حتى يغدو النضال النسوي هو هو نضالنا التحرّري.

وفي مقام الدعابة الساخرة، علينا أن نحوّل مقولة شخصية جودي أبو خميس من المسلسل النقدي الساخر، "ضيعة ضايعة": "ولي ديبِة صايرة تفهمي بالسياسة" من مجرّد جملة تهكمية تعكس للأسف توجه كثر حولنا، إلى تحدٍّ نضالي يتكرر عندما تكون "ديبة"، من كافة موقعياتها، شريكة سياسية شرعية لا تحتاج إلى إثبات جدارتها وحسن نيتها في كلّ مرة تشارك بها تجربتها الخاصة أو رأيها الشخصي، لأن الشخصي هو السياسي.

الشرطة التركية تحاول صدّ مسيرة لمناسبة يوم المرأة العالمي، أمس الأول، في استنبول (رويترز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب